د. هزاع عبد العزيز المجالي
قبل الحديث عن ثورة الشعب اللبناني، لا بد من التأكيد على أن تركيبة النظام السياسي للدولة اللبنانية، القائمة على التوزيع الطائفي ليست حالة خاصة تتميز عن باقي الدول العربية الأخرى، وإن كانت أكثر وضوحاً. فجميع المجتمعات العربية تعيش حالة من التقسيمات الاجتماعية العرقية والأثنية،الناجمة إما عن التقسيمات الحدودية المصطنعة الموروثة عن الإستعمار، أو بسبب الهجرات العرقية الى المنطقة العربية، وغيرها الكثير من الأسباب لا يتسع المقام للحديث عنها. ولقد أثبتت التجارب التاريخية لا سيما في الوقت الحالي أنه من السهل إثارتها لتكون سبباً في أنهيار الدولة كما حصل ويحصل الآن في العراق وسوريا و لبنان واليمن والسودان.
وبالعودة إلى ما يحصل في لبنان من ثورة شعبية، أسبابها أزمة اقتصادية حادة ومديونية وصلت الى ما يزيد عن (86) مليار دولار، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والفساد، فكانت الضريبة على إحدى الخدمات الإلكثرونية القشة التي قصمت ظهر البعير في ثورة شعبية عارمة دفعت اللبنانيين للتوحد من كافة الأطياف المذهبية الدينية والعرقية، للنزول إلى الشارع للمطالبة بالتغيير، ولكن هل يكفي الإجماع الشعبي المطالب باسقاط الحكومة؟ وبضرورة معالجة مشاكل الفساد والفقر والبطالة في حل معضلة بنيان النظام السياسي للدولة اللبنانية الناجمة أصلاً عن توازنات عصبية مجتمعية ذات أبعاد طائفية وعرقية، كانت سبباً في نشوب الحرب الأهلية في سبعينيات القرن الماضي، وفي التقسيم الجغرافي والاجتماعي بين أربعة مكونات طائفية رئيسية: مسيحي، سني، شيعي، درزي، وعلى الرغم من قبول جميع اللبنانيين وصمود تفاهمات إتفاق الطائف 1989م على احترام سيادة لبنان والإبقاء على التوازن والإتفاق والوفاق الطائفي في توزيع سلطات ومناصب الدولة، استناداً للدستور اللبناني وتعديلاته، فلقد شهدت الساحة اللبنانية مزيداً من الإنقسامات الطائفية، حتى داخل الطوائف الرئيسية نفسها. ولقد توجهت بوصلة تلك الطوائف في الإنتماء الفكري العقائدي خارج حدود لبنان، وأصبحت أدوات ووسائل تستخدم لتنفيذ مخططات دول إقليمية، ودولية خارجية عن الساحة اللبنانية. وأصبح القرارالسيادي اللبناني أسيراً لعواصم خارجية، فزادت حالة الإختناق بين جميع الطوائف وصلت حد التخوين والتهم المتبادلة والتصفية الجسدية، فانعكس ذلك سلباً ليس فقط على تركيبة الحكومات المتعاقبة، بل وعلى علاقة الوزراء فيما بينهم على مبدأ الإخوة الأعداء.
وبالعودة إلى الثورة في الشارع اللبناني رغم أنها قد عرت وفضحت المستور، أعتقد أنها لن تستطيع تحقيق سوى مكاسب قليلة وآنية. فالثورات الشعبية الناجحة تحتاج الى قيادة، أو أن تفرز قيادة مجمع عليها، تمثل جميع فئات الشعب دون تمييز عرقي أو طائفي تقودها وتتحدث باسمها. والثورة في لبنان تحتاج الى تمرد أتباع الطوائف على ملوك الطوائف التي تحكمهم، لتقوم بعدها بتشكيل حكومة وطنية لبنانية، وإن كانت تحترم التوازنات الطائفية،إلا أنها حكومة دولة القانون، إنتماؤها وطني، تجعل من المصلحة الوطنية فوق جميع المصالح الأخرى.